طبيعة التحكيم بقلم/ المستشار زياد ثابت

طبيعة التحكيم

بقلم/ المستشار زياد ثابت – قاضي المحكمة العليا

اختلف الفقه والقضاء في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم فذهب اتجاهه إلى ترجيح طبيعته التعاقديةفاعتبر البعض التحكيم عقداً رضائياً ملزماً للجانبين من عقود المعارضة ويدمج أنصار هذا الاتجاه “حكم التحكيم في اتفاق التحكيم سواء تم التحكيم داخل الدولة أم في دولة أجنبية” والمحكمون ليسوا قضاه بل الأفراد يعهد إليهم بمهمة تنفيذ الاتفاق.
فطالما أن نظام التحكيم يقوم على أساس إرادة الأطراف فإن له طابع تعاقدي، فالأطراف باتفاقهم على التحكيم يتخلون عن بعض الضمانات القانونية والإجرائية التي يحققها النظام القضائي، وذلك بهدف تحقيق مبادئ العدالة والعادات التجارية وإتباع إجراءات سريعة وأقل رسمية من إجراءات المحاكم. وإذا كان في هذا التخلي عن بعض المخاطر فهي بلا شك مخاطر محسوبة.
الصفة التعاقدية: أيضاً يحتمها اعتبار التحكيم من أدوات المعاملات الدولية. مما يقتضي أن يلبي مقتضيات هذه المعاملات وتزايد انتشارها كل يوم. ولاشك أن التجارة الدولية أو المعاملات الدولية يعترضها التشريعات والقضاء في مختلف الدول. ولا يمكن تحرير المبادلات الدولية إلا عن طريق العقد لما يتصف به من طابع دولي.، فلن تقم للتحكيم قائمة بدون جوهره التعاقدي.
وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية الطبيعة التعاقدية وانسحاب هذه الطبيعة إلى كل من اتفاق التحكيم وحكم التحكيم.
وبعد ميل القضاء المصري أيضاً لترجيح الطابع الاتفاقي في نفيه الصفة القضائية عن التحكيم، إذ ترى محكمة النقض المصرية أن قوام التحكيم “الخروج من طرق التقاضي العادية“.
كذلك يرى البعض تأييد المشرع المصري للطبيعة التعاقدية للتحكيم نظراً لأن المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 في التعليق على المادة 513 “الملغاة” من ذلك القانون كانت تنص على أن “حكم المحكمين ليس حكماً قضائياً” كما أن المادة 501 الملغاة من القانون كانت تجعل التحكيم يرتكن على اتفاق الأطراف.
ولا نستخلص من ذلك تحيزاً من المشرع لتحديد طبيعة التحكيم، وبالإضافة إلى ذلك يقرر المشرع في المادة 299 مرافعات سريان قواعد تنفيذ أحكام القضاء الأجنبية على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي.
بينما ذهب اتجاه في الفقه إلى ترجيح الطابع القضائي للتحكيم ينظر إلى أن التحكيم من زاوية أنه قضاء إجباري ملزماً للخصوم حتى اتفقوا عليه،
وأن التملص منه لا يجدي. وأنه يحل محل قضاء الدولة الإجباري، وأن المحكم لا يعمل بإرادة لخصوم وحدها، مما يجعل الصفة القضائية هي التي تغلب على التحكيم، وأن حكم المحكم هو عمل قضائي شأنه شأن العمل القضائي الصادر من السلطة القضائية في الدولة. فكل من المحكم والقاضي يحل النزاع بحكم يحوز حجية الأمر المقضي، هذه الحجية التي يستمدها من الشرع.
ونحن لا ننفي وجود العديد من أوجه الشبه بين أحكام التحكيم وأحكام القضاء، إلا أن هذا التشابه لا يجوز أن يكون مؤدياً بنا إلى اعتبار التحكيم نظاماً قضائياً، لأن هناك أيضاً العديد من أوجه الاختلاف بينهما.